فصل: باب صلاة الخوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح المحلي على المنهاج



. فَصْلٌ: [في غسل الجمعة]

يُسَنُّ الْغُسْلُ لِحَاضِرِهَا أَيْ لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ (وَقِيلَ: لِكُلِّ أَحَدٍ) حَضَرَ أَوْ لَا وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ:«إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». أَيْ إذَا أَرَادَ مَجِيئَهَا وَحَدِيثُ ابْنِ حِبَّانَ وَأَبِي عَوَانَةَ:«مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ». وَصَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ حَدِيثُ«مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ. وَقَوْلُهُ: فَبِهَا أَيْ بِالسُّنَّةِ أَخَذَ أَيْ بِمَا جَوَّزَتْهُ مِنْ الْوُضُوءِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ. وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ أَوْ الْفِعْلَةُ وَالْغُسْلُ مَعَهَا أَفْضَلُ. وَيَدُلُّ لِلثَّانِي حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ:«غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَيْ بَالِغٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ ثَابِتٌ طَلَبُهُ نَدْبًا لِمَا تَقَدَّمَ. (وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ:«مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَسَيَأْتِي تَمَامُهَا. (وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ) إلَى الْجُمُعَةِ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ حَالَ الِاجْتِمَاعِ. (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الْغُسْلِ لِنَفَادِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ لِقُرُوحٍ فِي غَيْرِ أَعْضَائِهِ (تَيَمَّمَ) بِنِيَّةِ الْغُسْلِ (فِي الْأَصَحِّ) وَحَازَ الْفَضِيلَةَ وَالثَّانِي وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ، وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْغُسْلِ التَّنَظُّفُ وَقَطْعُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يُفِيدُ هَذَا الْغَرَضَ (وَمِنْ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ) لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا كَالْجُمُعَةِ وَسَيَأْتِي وَقْتُ غُسْلِ الْعِيدِ فِي بَابِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ الْغُسْلِ لِلْكُسُوفِ بِأَوَّلِهِ (وَ) الْغُسْلُ (لِغَاسِلِ الْمَيِّتِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِحَدِيثِ«مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ»رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَالصَّارِفُ لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ حَدِيثُ:«لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَا) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُغْمَى عَلَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِذَا أَفَاقَ اغْتَسَلَ». وَقِيسَ الْمَجْنُونُ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ
(وَالْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ)«لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ بِالْغُسْلِ لَمَّا أَسْلَمَ». وَكَذَلِكَ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ رَوَاهُمَا ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا وَلَيْسَ أَمْرَ وُجُوبٍ لِأَنَّ جَمَاعَةً أَسْلَمُوا فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْغُسْلِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ فِي الْكُفْرِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلَا عِبْرَةَ بِغُسْلٍ مَضَى فِي الْكُفْرِ فِي الْأَصَحِّ (وَأَغْسَالِ الْحَجِّ) وَسَتَأْتِي فِي بَابِهِ (وَآكُدُهَا) أَيْ الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ (غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ ثُمَّ) غُسْلُ (الْجُمُعَةِ وَعَكْسُهُ الْقَدِيمُ) فَقَالَ: آكُدُهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ ثُمَّ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ (قُلْت: الْقَدِيمُ هُنَا أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَأَحَادِيثُهُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ) وَهِيَ أَحَادِيثُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْهَا حَدِيثَا الشَّيْخَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَوَّلَ الْفَصْلِ.
(وَلَيْسَ لِلْجَدِيدِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) يَعْنِي مِنْ الْأَحَادِيثِ الطَّالِبَةِ لِغُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ بَلْ اعْتَرَضَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فِي تَحَسُّبٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْهَا فَعَلَى تَصْحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ لَهُ أَوْلَى، وَوَجَّهَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْجَدِيدَ بِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَدِيمًا بِوُجُوبِ غُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ دُونَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ لَهُ قَدِيمًا بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ هَذَا غَرِيبًا وَذَاكَ مَشْهُورًا. وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي الْقَدِيمِ فِي وُجُوبِ غُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ وَنَدَبَهُ كَمَا نَسَبَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَذَكَرَ فِيهَا مِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَدْفَعُهُ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ وَوَجَدَ مَنْ يُرِيدُهُ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَمَنْ يُرِيدُهُ لِلْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَيِّهِمَا يَدْفَعُهُ
(وَيُسَنُّ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ:«مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَيْ كَغُسْلِهَا ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةَ أَيْ وَاحِدَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». وَرَوَى النَّسَائِيّ«فِي الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا، وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً» وَالسَّاعَاتُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَمَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرَكَانِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَلَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْآخَرِ، وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ يَعْنِي وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا الْمُرَادُ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ وَفَضْلُ السَّابِقِ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا فِي طَرَفَيْ سَاعَةٍ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْفَلَكِيَّةَ وَإِلَّا لَاخْتَلَفَ الْأَمْرُ بِالْيَوْمِ الشَّاتِي وَالصَّائِفِ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ«يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَاعَةً»، وَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَيَّامِهِ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ يَخْتَارُ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ (مَاشِيًا) لَا رَاكِبًا لِلْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ فِي حَدِيثٍ. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. (بِسَكِينَةٍ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ:«إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ» وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى{إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ امْضُوا كَمَا قُرِئَ بِهِ. وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَقْيِيدُ الْمَشْيِ إلَى الْجُمُعَةِ عَلَى سَكِينَةٍ بِمَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَأَنَّهُ لَا يَسْعَى إلَى غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا (وَأَنْ يَشْتَغِلَ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورِهِ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالطَّرِيقُ مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَفِي التَّنْزِيلِ{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ:«فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ». وَفِي مُسْلِمٍ:«فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ». (وَلَا يَتَخَطَّى) رِقَابَ النَّاسِ لِلْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ غَيْرِهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إلَّا إذَا كَانَ إمَامًا أَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُهَا بِغَيْرِ تَخَطٍّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ التَّخَطِّي، أَمَّا الْإِمَامُ وَفَرْضُهُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَّا بِهِ فَلِلضَّرُورَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِتَفْرِيطِ الْجَالِسِينَ وَرَاءَ الْفُرْجَةِ بِتَرْكِهَا سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ، وَكَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ لَا يَتَخَطَّى أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا دَخَلَهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَرَجَا أَنْ يَتَقَدَّمُوا إلَيْهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْعُدَ مَوْضِعَهُ، وَلَا يَتَخَطَّى وَإِلَّا فَلْيَتَخَطَّ. (وَأَنْ يَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَطِيبٍ) لِذِكْرِهِمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي التَّخَطِّي، وَأَوْلَى الثِّيَابِ الْبِيضُ فَإِنْ لَبِسَ مَصْبُوغًا فَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ. ثُمَّ نُسِجَ كَالْبُرُودِ لَا مَا صُبِغَ مَنْسُوجًا (وَإِزَالَةِ الظُّفْرِ) وَالشَّعْرِ لِلِاتِّبَاعِ. وَرَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّلَاةِ» (وَالرِّيحِ) الْكَرِيهَةِ كَالصُّنَانِ لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ فَيُزَالُ بِالْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. (قُلْت:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَأَنْ يَقْرَأَ الْكَهْفَ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا) أَيْ لِحَدِيثِ:«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ». رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَحَدِيثِ:«مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ». رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ
(وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ) يَوْمَهَا رَجَاءَ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فَفِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ:«فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّلُهَا» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ:«وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيَّةٌ». وَوَرَدَ تَعْيِينُهَا أَيْضًا فِي حَدِيثِ«يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً السَّابِقِ قَرِيبًا فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ». وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ«هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ» أَيْ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ أَيْ يَفْرُغَ مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ التَّعْيِينِ بِمَا ذُكِرَ وَغَيْرُهُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ السَّاعَةِ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي صَحِيحٌ. وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَّغَهُ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ اسْتَحَبَّ الدُّعَاءَ فِيهَا. (وَ) يُكْثِرَ (الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا لِحَدِيثِ:«أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلِيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلِيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا». رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ حَدِيثَ:«إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فِيهِ».
(وَيَحْرُمُ عَلَى ذِي الْجُمُعَةِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ (التَّشَاغُلُ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ) الْمَزِيدُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ الْعُقُودِ وَالصَّنَائِعِ وَغَيْرِهَا (بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ) قَالَ تَعَالَى:{إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} أَيْ اُتْرُكُوهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ بِالتَّرْكِ فَيَحْرُمُ الْفِعْلُ وَقِيسَ عَلَى الْبَيْعِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فِي تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ، وَتَقْيِيدُ الْأَذَانِ بِبَيْنِ يَدَيْ الْخَطِيبِ أَيْ بِوَقْتِ كَوْنِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَانْصَرَفَ النِّدَاءُ فِي الْآيَةِ إلَيْهِ فَلَوْ أُذِّنَ قَبْلَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ لَمْ يَحْرُمْ الْبَيْعُ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَكَذَا مَا قِيسَ بِهِ قَالَ فِيهَا وَحُرْمَتُهُ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَامَ لَهُ بِقَصْدِ الْجُمُعَةِ فَبَاعَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ وَقَعَ فِي الْجَامِعِ، وَبَاعَ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتِمَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى. وَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الْآخَرِ أَثِمَ الْآخَرُ أَيْضًا لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْحَرَامِ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ كُرِهَ لَهُ وَهُوَ شَاذٌّ وَفِيهِ إذَا تَبَايَعَا وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْرُمْ بِحَالٍ وَلَمْ يُكْرَهْ (فَإِنْ بَاعَ) مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ (صَحَّ) بَيْعُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْهُ وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْعُقُودِ (وَيُكْرَهُ) التَّشَاغُلُ الْمَذْكُورُ (قَبْلَ الْأَذَانِ) الْمَذْكُورِ (بَعْدَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِخِلَافِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يُكْرَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَلَى الْبَيْعِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا.

. فَصْلٌ: [فيما تدرك به الجمعة]

مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ (أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ) أَيْ لَمْ تَفُتْهُ (فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةً) لِإِتْمَامِهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ». وَقَالَ:«مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى». رَوَاهُمَا الْحَاكِمُ وَقَالَ: فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَوْلُهُ: فَلْيُصَلِّ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ أَنَّ مَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ رَاكِعًا تُحْسَبُ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَاسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ التَّقْيِيدِ هُنَا بِغَيْرِ الْمُحْدِثِ (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ (فَاتَتْهُ) الْجُمُعَةُ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ (فَيُتِمُّ بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ الْإِمَامَ (ظُهْرًا أَرْبَعًا) وَفِيهِ حَدِيثُ:«مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيَّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي فِي اقْتِدَائِهِ الْجُمُعَةَ) مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَالثَّانِي الظُّهْرَ لِأَنَّهَا الَّتِي يَفْعَلُهَا.
(تَتِمَّةٌ) مَنْ صَلَّى الرَّكْعَةَ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. وَقُلْنَا بِالرَّاجِحِ أَنَّهُ لَا تَضُرُّ الْمُفَارَقَةُ أَتَمَّهَا جُمْعَةً كَمَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ (وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا) مِنْ الصَّلَوَاتِ (بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَرُعَافٍ (جَازَ) لَهُ (الِاسْتِخْلَافُ فِي الْأَظْهَرِ) فَيُتِمُّ الْقَوْمُ الصَّلَاةَ مُقْتَدِينَ بِالْخَلِيفَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ كَمَا سَيَأْتِي. وَالثَّانِي يَقُولُ يُتِمُّونَهَا وُحْدَانًا فَفِي الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ الْحَدَثُ فِي الْأُولَى يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا أَوْ فِي الثَّانِيَةِ فَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْإِمَامُ: يُشْتَرَطُ حُصُولُ الِاسْتِخْلَافِ عَلَى قُرْبٍ فَلَوْ فَعَلُوا عَلَى الِانْفِرَادِ رُكْنًا امْتَنَعَ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَهُ (وَلَا يَسْتَخْلِفُ لِلْجُمْعَةِ إلَّا مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ) لِأَنَّ فِي اسْتِخْلَافِ غَيْرِ الْمُقْتَدِي ابْتِدَاءَ جُمْعَةٍ بَعْدَ انْعِقَادِ جُمْعَةٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُقْتَدِي (حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَلَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا (وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ الْخُطْبَةَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ إدْرَاكُهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ ثُمَّ) عَلَى الْأَصَحِّ (إنْ كَانَ أَدْرَكَ) الرَّكْعَةَ (الْأُولَى تَمَّتْ جُمْعَتُهُمْ) أَيْ الْقَوْمِ الشَّامِلِ لَهُ سَوَاءٌ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى أَمْ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ (وَإِلَّا) كَأَنْ اقْتَدَى فِي الثَّانِيَةِ (فَتَتِمُّ) الْجُمُعَةُ (لَهُمْ دُونَهُ) أَيْ غَيْرَهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا. وَالثَّانِي تَتِمُّ لِأَنَّهُ صَلَّى رَكْعَةً فِي جَمَاعَةٍ (وَيُرَاعِي الْمَسْبُوقُ) الْخَلِيفَةُ (نَظْمَ) صَلَاةِ (الْمُسْتَخْلِفِ فَإِذَا صَلَّى) بِهِمْ (رَكْعَةً تَشَهَّدَ) جَالِسًا (وَأَشَارَ إلَيْهِمْ) بَعْدَ التَّشَهُّدِ عِنْدَ الْقِيَامِ (لِيُفَارِقُوهُ) بِالنِّيَّةِ وَيُسَلِّمُوا (أَوْ يَنْتَظِرُوا) سَلَامَهُ بِهِمْ وَهُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَوْ رَكْعَةٍ عَلَى الْخِلَافِ. وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي صَلَّاهَا بِهِمْ صَحَّتْ لَهُ الْجُمُعَةُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الظُّهْرِ وَهُوَ الرَّاجِحُ. وَتَصِحُّ جُمْعَتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ لَهُمْ الِانْفِرَادَ بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَضُرُّ اقْتِدَاؤُهُمْ فِيهَا بِمُصَلِّي الظُّهْرِ. وَقَوْلُهُ لِيُفَارِقُوهُ إلَى آخِرِهِ عِلَّةٌ غَائِبَةٌ لِلْإِشَارَةِ أَيْ فَيَكُونُ بَعْدَهَا وَلَيْسَ نَاشِئًا عَنْهَا كَمَا قِيلَ: أَمَّا غَيْرُ الْجُمُعَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِيهَا غَيْرَ مُقْتَدٍ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ فِي تَرْتِيبِ صَلَاتِهِ كَأَنْ يَسْتَخْلِفُهُ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ الرَّبَاعِيَةِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ أَوْ الْأَخِيرَةِ لِاحْتِيَاجِهِ بَعْدَهُمَا إلَى الْقِيَامِ وَهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْقُعُودِ. وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مُقْتَدِيًا بِهِ فِي غَيْرِ الْأُولَى جَازَ اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَيُرَاعِي الْخَلِيفَةُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَفِي اسْتِخْلَافِهِ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ يَقْنُتُ فِيهَا وَيَقْعُدُ لِلتَّشَهُّدِ وَيَأْتِي بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثُمَّ يَقْنُتُ فِي ثَانِيَتِهِ لِنَفْسِهِ وَعِنْدَ قِيَامِهِ إلَيْهَا يُفَارِقُونَهُ بِالنِّيَّةِ، وَيُسَلِّمُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سَلَامَهُ بِهِمْ وَهُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ. وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَفِي اسْتِخْلَافِهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَرْجَحُهُمَا دَلِيلًا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَفِي التَّحْقِيقِ أَظْهَرُهُمَا صِحَّتُهُ، وَيُرَاقِبُ الْمَأْمُومِينَ إذَا أَتَمَّ الرَّكْعَةَ فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلَّا قَعَدَ
(وَلَا يَلْزَمُهُمْ اسْتِئْنَافُ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ) أَيْ أَنْ يَنْوُوهَا بِالْخَلِيفَةِ (فِي الْأَصَحِّ) فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِتَنْزِيلِ الْخَلِيفَةِ مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ فِي دَوَامِ الْجَمَاعَةِ، وَالثَّانِي يَقُولُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ صَارُوا مُنْفَرِدِينَ (وَمَنْ زُوحِمَ عَنْ السُّجُودِ) عَلَى الْأَرْضِ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ (فَأَمْكَنَهُ عَلَى إنْسَانٍ) مَثَلًا كَظَهْرِهِ أَوْ رِجْلِهِ (فَعَلَ) ذَلِكَ لُزُومًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ سُجُودٍ يُجْزِئُهُ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ أَحَدُكُمْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ، وَلَا بُدَّ فِي إمْكَانِهِ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى رِعَايَةِ هَيْئَةِ السَّاجِدِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مُرْتَفَعٍ، وَالْمَسْجُودُ عَلَيْهِ فِي مُنْخَفَضٍ، وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ الْخُرُوجُ عَنْ هَيْئَةِ السَّاجِدِ لِلْعُذْرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ عَلَى شَيْءٍ مَعَ الْإِمَامِ (فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ) التَّمَكُّنَ مِنْهُ (وَلَا يُومِئُ بِهِ) لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يُومِئُ بِهِ أَقْصَى مَا يُمْكِنُهُ كَالْمَرِيضِ لِلْعُذْرِ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا (ثُمَّ) عَلَى الصَّحِيحِ (إنْ تَمَكَّنَ) مِنْهُ (قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ) فِي الثَّانِيَةِ (سَجَدَ فَإِنْ رَفَعَ) مِنْ السُّجُودِ (وَالْإِمَامُ قَائِمٌ قَرَأَ) فَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ رَكَعَ مَعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي فِي قَوْلِهِ (أَوْ رَاكِعٌ فَالْأَصَحُّ يَرْكَعُ) مَعَهُ (وَهُوَ كَمَسْبُوقٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ، وَالثَّانِي لَا يَرْكَعُ مَعَهُ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِهِ فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ فَيَتَخَلَّفُ وَيَقْرَأُ وَيَسْعَى خَلْفَهُ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ (فَإِنْ كَانَ إمَامُهُ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ) كَالْمَسْبُوقِ (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَةً بَعْدَهُ) وَبِهَذَا قَطَعَ الْإِمَامُ وَحَكَى غَيْرُهُ مَعَهُ الْوَجْهَ السَّابِقَ أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ (وَإِنْ كَانَ سَلَّمَ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ) لِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْحَالِ فَيُتِمُّ فِي هَذَا الْجُمُعَةَ وَفِيمَا قَبْلَهُ الظُّهْرَ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُ السُّجُودُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ) فِي الثَّانِيَةِ (فَفِي قَوْلٍ يُرَاعِي نَظْمَ) صَلَاةِ (نَفْسِهِ) فَيَسْجُدُ الْآنَ. (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ وَيَحْسِبُ رُكُوعَهُ الْأَوَّلَ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ وَقْتَ الِاعْتِدَادِ بِالرُّكُوعِ، وَالثَّانِيَ لِلْمُتَابَعَةِ (فَرَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ) الَّذِي أَتَى بِهِ (وَتُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِصِدْقِ الرَّكْعَةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِهَا وَالثَّانِي يَقُولُ لَا لِنَقْصِهَا. وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ السَّابِقِ يَحْسِبُ رُكُوعَهُ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ لِطُولِ الْمُدَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّجُودِ. وَعَلَى هَذَا تُدْرَكُ الْجُمُعَةُ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ جَزْمًا (فَلَوْ سَجَدَ عَلَى تَرْتِيبِ) صَلَاةِ (نَفْسِهِ عَالِمًا بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ) فِي الرُّكُوعِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ ذَاكِرًا لِذَلِكَ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَسِيَ) ذَلِكَ الْمَعْلُومَ عِنْدَهُ (أَوْ جَهِلَ) ذَلِكَ (لَمْ يَحْسِبْ سُجُودَهُ الْأَوَّلَ) لِمُخَالَفَتِهِ بِهِ الْإِمَامَ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِعُذْرِهِ (فَإِذَا سَجَدَ ثَانِيًا حَسَبَ) هَذَا السُّجُودَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَالْإِمَامِ والصيدلاني. وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْمُحَرَّرِ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يَحْسِبُ بِهِ أَيْ فَتَكْمُلُ بِهِ الرَّكْعَةُ (وَالْأَصَحُّ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ) الْمُلَفَّقَةِ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (إذَا كَمُلَتْ السَّجْدَتَانِ) فِيهَا (قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَمُلَتَا بَعْدَ سَلَامِهِ.
وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ فِيمَا ذُكِرَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْسِبْ سُجُودَهُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِكَوْنِ فَرْضِهِ الْمُتَابَعَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْسِبَ وَالْإِمَامُ فِي رُكْنٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ: وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنْ لَا يُحْسَبَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا يَأْتِي بِهِ عَلَى غَيْرِ سَبِيلِ الْمُتَابَعَةِ وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِتَمَامِ الرَّكْعَةِ وَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمْعَةِ. وَسَكَتَ عَلَى ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ. وَلَوْ فَرَغَ مِنْ سُجُودِ الْأَوَّلِ فَوَجَدَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فَتَابَعَهُ فِي سَجْدَتَيْهِ حُسِبَتَا لَهُ وَتَكُونُ رَكْعَتُهُ مُلَفَّقَةً (وَلَوْ تَخَلَّفَ بِالسُّجُودِ) فِي الْأُولَى (نَاسِيًا) لَهُ (حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لِلثَّانِيَةِ) فَذَكَرَهُ (رَكَعَ مَعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَظْهَرِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ نَفْسِهِ كَالْمَزْحُومِ وَفَرَّقَ الْقَاطِعُ بِالْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالنِّسْيَانِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَطَرِيقُ الْقَطْعِ أَظْهَرُ.
(تَتِمَّةٌ) لَوْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ. وَقِيلَ: يَرْكَعُ مَعَهُ قَطْعًا وَقِيلَ: يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاةِ نَفْسِهِ قَطْعًا وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الزِّحَامَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ فِيهَا أَكْثَرُ.

. باب صلاة الخوف:

أَيْ كَيْفِيَّتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْفَرَائِضِ فِيهِ فِي الْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. (هِيَ أَنْوَاعٌ) أَرْبَعَةٌ كَمَا سَيَأْتِي (الْأَوَّلُ) مَا يُذْكَرُ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي) جِهَةِ (الْقِبْلَةِ فَيُرَتِّبُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ صَفَّيْنِ وَيُصَلِّي بِهِمْ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ صَفٌّ سَجْدَتَيْهِ وَحَرَسَ صَفٌّ فَإِذَا قَامُوا سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَلَحِقُوهُ وَسَجَدَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ حَرَسَ أَوَّلًا وَحَرَسَ الْآخَرُونَ فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ مَنْ حَرَسَ وَتَشَهَّدَ بِالصَّفَّيْنِ وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ) رَوَاهَا مُسْلِمٌ ذَاكِرًا فِيهَا سُجُودَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَ فِي الثَّانِيَةِ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ كَالْمُحَرَّرِ صَادِقَةٌ بِذَلِكَ وَبِعَكْسِهِ. وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا وَيَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الصَّفُّ الثَّانِي وَيَتَأَخَّرَ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِخُطْوَتَيْنِ يَنْفُذُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي التَّقَدُّمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهَلْ هَذَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ أَفْضَلُ أَوْ مُلَازَمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مَكَانَهُ أَفْضَلُ ؟ وَجْهَانِ: وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِلْوَارِدِ فِي الْعَكْسِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى صَفَّيْنِ وَيَحْرُسَ صَفَّانِ. (وَلَوْ حَرَسَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ (فِرْقَتَا صَفٍّ) عَلَى الْمُنَاوَبَةِ وَدَامَ غَيْرُهُمَا عَلَى الْمُتَابَعَةِ. (جَازَ وَكَذَا فِرْقَةٌ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ صَلَاةُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ لِزِيَادَةِ التَّخَلُّفِ فِيهَا عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِتَعَدُّدِ الرَّكْعَةِ لَا تَضُرُّ. وَعُسْفَانُ قَرْيَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ بِقُرْبِ خَلِيصٍ. (الثَّانِي) مِنْ الْأَنْوَاعِ مَا يُذْكَرُ فِي قَوْلِهِ (يَكُونُ) الْعَدُوُّ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْقِبْلَةِ (فَيُصَلِّي) الْإِمَامُ بَعْدَ جَعْلِهِ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ (مَرَّتَيْنِ كُلَّ مَرَّةٍ بِفِرْقَةٍ) تَذْهَبُ الْمُصَلِّيَةُ أَوَّلًا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهَا تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً. (وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ) رَوَاهَا الشَّيْخَانِ. وَهُوَ وَإِنْ جَازَتْ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ نُدِبَ إلَيْهَا فِيهِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّةِ عَدُوِّهِمْ وَخَوْفِ هُجُومِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ أَمْ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: (أَوْ تَقِفُ فِرْقَةٌ فِي وَجْهِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ. (وَيُصَلِّي) الْإِمَامُ (بِفِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِذَا قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَارَقَتْهُ) بِالنِّيَّةِ (وَأَتَمَّتْ وَذَهَبَتْ إلَى وَجْهِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ (وَجَاءَ الْوَاقِفُونَ) وَالْإِمَامُ مُنْتَظِرٌ لَهُمْ (فَاقْتَدُوا بِهِ فَصَلَّى بِهِمْ الثَّانِيَةَ فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَأَتَمُّوا ثَانِيَتَهُمْ) وَهُوَ مُنْتَظِرُ لَهُمْ (وَلَحِقُوهُ وَسَلَّمَ بِهِمْ. وَهَذِهِ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ) رَوَاهَا الشَّيْخَانِ أَيْضًا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ) صَلَاةِ (بَطْنِ نَخْلٍ) لِسَلَامَتِهَا عَمَّا فِي تِلْكَ مِنْ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالثَّانِي عَكْسُهُ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي بَعْضِهَا. وَبَطْنُ نَخْلٍ، وَذَاتُ الرِّقَاعِ مَوْضِعَانِ مِنْ نَجْدٍ. (وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ) الْفِرْقَةَ (الثَّانِيَةَ) فِي الْقِيَامِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ. (وَيَتَشَهَّدُ) فِي انْتِظَارِهَا فِي الْجُلُوسِ وَبَعْدَ لُحُوقِهَا فِي الْقِيَامِ يَقْرَأُ مِنْ السُّورَةِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ يَرْكَعُ. (وَفِي قَوْلٍ يُؤَخِّرُ) الْقِرَاءَةَ وَالتَّشَهُّدَ (لِتَلْحَقَهُ) فَتُدْرِكَهُمَا مَعَهُ وَيَشْتَغِلَ هُوَ بِمَا شَاءَ مِنْ الذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ إلَى لُحُوقِهَا، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ، وَالْقَطْعُ بِهِ فِي التَّشَهُّدِ هُوَ الرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي أُخِّرَتْ الْقِرَاءَةُ لَهُ فِي قَوْلٍ التَّسْوِيَةُ فِي الْفِرْقَتَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ بِهِمَا، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَجِيءُ فِي الصَّلَاةِ الثُّنَائِيَّةِ. (فَإِنْ صَلَّى مَغْرِبًا فَبِفِرْقَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ عَكْسِهِ) الْجَائِزِ أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِسَلَامَتِهِ مِنْ التَّطْوِيلِ فِي عَكْسِهِ بِزِيَادَةِ تَشَهُّدٍ فِي أُولَى الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِي عَكْسُهُ أَفْضَلُ لِتَنْجَبِرَ بِهِ الثَّانِيَةُ عَمَّا فَاتَهَا مِنْ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ.
(وَيَنْتَظِرُ) الْإِمَامُ فِي صَلَاتِهِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ الثَّانِيَةَ (فِي) جُلُوسِ (تَشَهُّدِهِ أَوْ قِيَامِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ) أَيْ انْتِظَارُهُ فِي الْقِيَامِ (أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلتَّطْوِيلِ بِخِلَافِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي انْتِظَارُهُ فِي الْجُلُوسِ أَفْضَلُ لِيُدْرِكُوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا كَالْفِرْقَةِ الْأُولَى، وَتَبِعَ الشَّيْخَ هُنَا الْمُحَرَّرَ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي حِكَايَتِهِ قَوْلَيْنِ وَهَلْ يَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي انْتِظَارِهِ فِي الْقِيَامِ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالذِّكْرِ ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَكَذَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ فِي انْتِظَارِهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّ الْفِرْقَةَ الْأُولَى إنَّمَا تُفَارِقُهُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ. (أَوْ) صَلَّى (رُبَاعِيَّةً) بِأَنْ كَانُوا فِي الْحَضَرِ، أَوْ أَرَادُوا الْإِتْمَامَ فِي السَّفَرِ (فَبِكُلٍّ) مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ. (رَكْعَتَيْنِ) وَيَتَشَهَّدُ بِهِمَا وَيَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ فِي جُلُوسِ التَّشَهُّدِ أَوْ قِيَامِ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ. (فَلَوْ صَلَّى) بَعْدَ جَعْلِهِمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ (بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً) وَفَارَقَتْهُ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ وَأَتَمَّتْ، وَهُوَ مُنْتَظِرٌ فَرَاغَ الْأُولَى فِي قِيَامِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَفَرَاغَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فِي تَشَهُّدِهِ، أَوْ قِيَامَ الثَّالِثَةِ وَفَرَاغَ الثَّالِثَةِ فِي قِيَامِ الرَّابِعَةِ وَفَرَاغَ الرَّابِعَةِ فِي تَشَهُّدِهِ الْآخِرِ فَيُسَلِّمُ بِهَا. (صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِزِيَادَتِهِ عَلَى الِانْتِظَارَيْنِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ كَمَا سَبَقَ، وَصَلَاةُ الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إنْ عَلِمُوا بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالثَّالِثُ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ لِمُفَارَقَتِهَا قَبْلَ انْتِصَافِ صَلَاتِهَا عَلَى خِلَافِ الْمُفَارَقَةِ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ الِانْتِصَافِ، وَالرَّابِعُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ وَأَسْقَطَ قَوْلَ الْمُحَرَّرِ فِي جَوَازِ مَا ذُكِرَ إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ الَّذِي نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ فِي الرَّوْضَةِ لَمَّا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، وَبَقِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فَهُوَ كَفِعْلِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرَ الْمُغْرِبُ إذَا صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً. (وَسَهْوُ كُلِّ فِرْقَةٍ) مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ فِي الثُّنَائِيَّةِ (مَحْمُولٌ فِي أُولَاهُمْ) لِاقْتِدَائِهِمْ فِيهَا وَالْمُقْتَدِي يَحْمِلُ سَهْوَهُ الْإِمَامُ. (وَكَذَا ثَانِيَةُ الثَّانِيَةِ) سَهْوُهُمْ فِيهَا مَحْمُولٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِاسْتِمْرَارِ اقْتِدَائِهِمْ بِانْتِظَارِ الْإِمَامِ لَهُمْ، وَالثَّانِي يَقُولُ انْفَرَدُوا بِهَا حِسًّا. (لَا ثَانِيَةُ الْأُولَى) لِمُفَارِقَتِهِمْ الْإِمَامَ أَوَّلَهَا. (وَسَهْوُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي الْأُولَى يَلْحَقُ الْجَمِيعَ) فَتَسْجُدُ الْأُولَى آخِرَ صَلَاتِهَا وَكَذَا الثَّانِيَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ (وَ) سَهْوُهُ (فِي الثَّانِيَةِ لَا يَلْحَقُ الْأَوَّلِينَ) لِمُفَارِقَتِهِمْ لَهُ قَبْلَ سَهْوِهِ وَيَلْحَقُ الْآخِرِينَ.
(وَيُسَنُّ حَمْلُ السِّلَاحِ) كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْقَوْسِ وَالنُّشَّابِ بِخِلَافِ التُّرْسِ وَالدِّرْعِ. (فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ) الثَّلَاثَةِ مِنْ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا (وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ) قَالَ تَعَالَى:{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي، وَهُمَا فِي الطَّاهِرِ فَالنَّجَسُ كَسَيْفٍ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ سُقِيَ سُمًّا نَجِسًا وَنَبْلٍ بِرِيشِ مَيْتَةٍ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ، وَكَذَا الْبَيْضَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْجَبْهَةِ، وَيُكْرَهُ حَمْلُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ كَالرُّمْحِ فِي وَسَطِ الْقَوْمِ، وَلَوْ كَانَ فِي تَرْكِ الْحَمْلِ تَعَرُّضٌ لِلْهَلَاكِ ظَاهِرًا وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَيَجُوزُ تَرْكُ الْحَمْلِ لِلْعُذْرِ كَمَرَضٍ أَوْ مَطَرٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَوَضْعُ السَّيْفِ مَثَلًا بَيْنَ يَدَيْهِ كَحَمْلِهِ إذَا كَانَ مَدُّ الْيَدِ إلَيْهِ فِي السُّهُولَةِ كَمَدِّهَا إلَيْهِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ.
(الرَّابِعُ:) مِنْ الْأَنْوَاعِ بِمَحَلِّهِ (أَنْ يَلْتَحِمَ الْقِتَالُ) فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ بِحَالٍ (أَوْ يَشْتَدَّ الْخَوْفُ) وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ فَلَمْ يَأْمَنُوا الْعَدُوَّ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُ أَوْ انْقَسَمُوا (فَيُصَلِّي) كُلٌّ مِنْهُمْ (كَيْفَ أَمْكَنَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) وَلَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ الْوَقْتِ، قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (وَيُعْذَرُ فِي تَرْكِ) اسْتِقْبَالِ (الْقِبْلَةِ) بِسَبَبِ الْعَدُوِّ لِلضَّرُورَةِ، فَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهَا بِجِمَاحِ الدَّابَّةِ وَطَالَ الزَّمَانُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ كَالْمُصَلِّينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ كَحَالَةِ الْأَمْنِ (وَكَذَا الْأَعْمَالُ الْكَثِيرَةُ) كَالطَّعَنَاتِ وَالضَّرَبَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ يُعْذَرُ فِيهَا (لِحَاجَةٍ) إلَيْهَا (فِي الْأَصَحِّ) قِيَاسًا عَلَى مَا فِي الْآيَةِ مِنْ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ وُرُودِ الْعُذْرِ بِهَا، وَالثَّالِثُ يُعْذَرُ فِيهَا بِدَفْعِ أَشْخَاصٍ دُونَ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِنُدْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي دَفْعِهِ. (لَا صِيَاحٍ) أَيْ لَا يُعْذَرُ فِيهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَيُلْقِي السِّلَاحَ إذَا دَمِيَ) حَذِرًا مِنْ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَوْ يَجْعَلُهُ فِي قِرَابِهِ تَحْتَ رِكَابِهِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ (فَإِنْ عَجَزَ) عَمَّا ذُكِرَ شَرْعًا بِأَنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ (أَمْسَكَهُ وَلَا قَضَاءَ) لِلصَّلَاةِ حِينَئِذٍ (فِي الْأَظْهَرِ). وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَقْضِي لِنَدُورَ عُذْرِهِ أَيْ دَمِيَ السِّلَاحُ، وَمَنَعَ لَهُمْ نَدُورُهُ، وَقَالَ: هُوَ عَامٌّ، وَخَرَّجَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ، وَقَالَ: هَذِهِ أَوْلَى بِنَفْيِ الْقَضَاءِ لِلْقِتَالِ الَّذِي احْتَمَلَ لَهُ الِاسْتِدْبَارَ وَغَيْرَهُ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَجَعَلَ الْأَقْيَسَ نَفْيَ الْقَضَاءِ وَالْأَشْهَرَ وُجُوبَهُ، وَاقْتَصَرَ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى الْأَقْيَسِ، وَلَمْ يَزِدْ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ شَيْئًا وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَبْلَهُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ.
(وَإِنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْمَأَ) بِهِمَا (وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ) مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْإِيمَاءِ بِهِمَا (وَلَهُ ذَا النَّوْعُ) أَيْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ (فِي كُلِّ قِتَالٍ وَهَزِيمَةٍ مُبَاحَيْنِ) أَيْ لَا إثْمَ فِيهِمَا كَقِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ لِأَهْلِ الْبَغْيِ وَقِتَالِ الرُّفْقَةِ لِقُطَّاعِ الطَّرِيقِ بِخِلَافِ عَكْسِهِمَا وَكَهَرَبِ الْمُسْلِمِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مَا دُونَهَا. (وَهَرَبٍ مِنْ حَرِيقٍ وَسَيْلٍ وَسَبُعٍ) إذَا لَمْ يَجِدْ مَعْدِلًا عَنْهُ. (وَغَرِيمٍ عِنْدَ الْإِعْسَارِ وَخَوْفِ حَبْسِهِ) بِأَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْمُسْتَحِقُّ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ. (وَالْأَصَحُّ مَنْعُهُ لِمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ) بِفَوْتِ وُقُوفِ عَرَفَةَ لَوْ صَلَّى مُتَمَكِّنًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ مَا هُوَ حَاصِلٌ كَفَوْتِ النَّفْسِ، وَالثَّانِي يَقُولُ الْحَجُّ بِالْإِحْرَامِ كَالْحَاصِلِ وَالْفَوَاتُ طَارٍّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيُحَصِّلُ الْوُقُوفَ لِأَنَّ قَضَاءَ الْحَجِّ صَعْبٌ وَقَضَاءُ الصَّلَاةِ هَيِّنٌ وَالثَّانِي يُصَلِّي مُتَمَكِّنًا وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ لِعِظَمِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَهَذَا أَشْبَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَأَقْرَبُ فِي الصَّغِيرِ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ (وَلَوْ صَلَّوْا) هَذَا النَّوْعَ (لِسَوَادٍ ظَنُّوهُ عَدُوًّا فَبَانَ) بِخِلَافِ ظَنِّهِمْ كَإِبِلٍ أَوْ شَجَرٍ (قَضَوْا فِي الْأَظْهَرِ) لِتَرْكِهِمْ فُرُوضًا مِنْ الصَّلَاةِ بِظَنِّهِمْ الَّذِي تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ الْخَوْفِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ كَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْ دَارِ الْإِسْلَامِ اسْتَنَدَ ظَنُّهُمْ إلَى إخْبَارٍ أَمْ لَا، وَقِيلَ إنْ كَانُوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُمْ إلَى إخْبَارٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ قَطْعًا.